بينما كانت الحياة تسير بشكل طبيعي، هزّت أزمة "كراود سترايك" العالم التقني، حيث تسببت في تعطيل أكثر من 8 ملايين حاسوب يعمل بنظام "ويندوز" على مستوى العالم. هذا التعطل لم يؤثر فقط على الأفراد، بل أدى إلى فوضى شاملة في القطاعات الحيوية.
عانت شركات الطيران والمطارات من أزمة في تنظيم الركاب والرحلات الجوية، مما تسبب في توقف جميع الرحلات الجوية الدولية. كما فقدت المستشفيات وخدمات الطوارئ الاتصال بالشبكة، مما أثر على تقديم الرعاية الصحية وأدى إلى تأخر سيارات الإسعاف. البنوك والمؤسسات المالية أيضاً تأثرت بشكل كبير، حيث كادت تفقد أموال المودعين.
رغم أن "كراود سترايك" تمكنت من تحديد سبب المشكلة وهو خطأ برمجي غير مقصود، وأطلقت تحديثاً لحل المشكلة في غضون 78 دقيقة، إلا أن الأضرار استمرت لمدة تقارب الأسبوع، ومن المتوقع أن تستمر لفترة أطول بسبب صعوبة تطبيق التحديثات على ملايين الأجهزة يدوياً.
في حين أن هذا العطل كان كارثياً، يصف خبير البرمجيات المفتوحة مارك أتوود الوضع بأنه "حادثة بسيطة". ويشير إلى أن الأخطاء البرمجية يمكن أن تكون مدمرة لدرجة تعيدنا إلى عصور ما قبل التقنية، مما يبرز الخطر الكبير في حالة وقوع أخطاء خطيرة.
الأخطاء البرمجية ليست بالأمر الجديد في عالم التقنية، إذ لطالما شهدنا تحديثات تسبب مشاكل لمستخدمي الأجهزة. ولكن المشكلة مع "كراود سترايك" تكمن في مدى تغلغل خدماتها في مختلف القطاعات، حيث تملك الشركة حوالي 25% من سوق برمجيات الأمن السيبراني. لذا، فإن الضرر الذي تسببت فيه الكارثة يعكس حجم التأثير الذي يمكن أن يحدثه خطأ في نظام يمتد إلى جميع جوانب الحياة.
التساؤل الأهم الآن هو: ماذا لو كان الخطأ البرمجي هجوماً سيبرانياً مقصوداً؟ إذا كان هذا الخطأ غير قابل للإصلاح أو يتطلب وقتاً طويلاً للإصلاح، فإن العواقب ستكون كارثية، حيث يمكن أن يتسبب في فوضى عالمية. تخيلوا أن أنظمة البنوك تعطلت بالكامل، مما أدى إلى فقدان العملاء لأموالهم، أو أن المستشفيات توقفت عن العمل مما يسبب أعمال شغب.
تحذر الأوساط الأمنية من "العطل الأكبر" الذي يمكن أن يعود بالعالم إلى عصور ما قبل التقنية. دان أودود، المدير التنفيذي لشركة "غرين هيلز" ومؤسس مبادرة "الفجر"، يدعو الحكومات إلى الضغط على الشركات لتطوير منتجات آمنة قادرة على الصمود أمام جميع أنواع الهجمات.
في ظل التغلغل الكبير للتقنيات في حياتنا، تزداد المخاوف من العطل الأكبر، مثل هجمات سيبرانية قد تزيف الانتخابات أو تسرق الأموال من البنوك. هذه المخاوف لم تكن جديدة، فقد كانت حاضرة منذ بداية الألفية مع تنامي المخاوف من توقف الحواسيب بسبب مشكلة "ي2كي".
تجبر الحكومة الأميركية جميع الهيئات الفدرالية والشركات الهامة على اتباع سياسات أمنية مشددة لحماية البيانات. ورغم أن هذه السياسات ساعدت في تعزيز الأمن السيبراني، فإنها أدت أيضاً إلى الاعتماد الكبير على خدمات "كراود سترايك"، مما جعلها محط أنظار في التحقيقات الأخيرة.
أزمة "كراود سترايك" تعتبر تنبيهاً حقيقياً للدول والهيئات في جميع أنحاء العالم بضرورة عدم الاعتماد على منصة واحدة لتأمين أنظمتها، ويجب تحسين تنظيم شركات الأمن السيبراني لتجنب الأخطاء وتفادي الهجمات التخريبية. ومن هنا تأتي دعوة رئيسة لجنة التجارة الفدرالية لينا خان إلى تعزيز إجراءات الأمن السيبراني وتجنب الاعتماد على حلول أمنية محدودة.
إرسال تعليق