آخر الأخبار

التهديدات البيولوجية في عصر الذكاء الاصطناعي كيف يمكن للتكنولوجيا أن تعيد تشكيل الأمن العالمي


 في صيف عام 1990، شهدت العاصمة اليابانية طوكيو حادثة مثيرة للجدل، حيث انتشرت شاحنات ترش سائلًا أصفر في مناطق حساسة مثل القواعد العسكرية الأمريكية والمطار الدولي وحتى القصر الإمبراطوري. كانت هذه الهجمات بداية لمخططات جماعة طائفية تُدعى "أوم شينريكيو"، التي كانت تسعى لإقامة نظام عالمي جديد مبني على معتقداتها الدينية. لم تكن تلك الحادثة مجرد فعل عشوائي، بل خطوة تمهيدية قبل تنفيذ مخطط أكبر.

بعد مرور خمس سنوات، نفذت الجماعة هجومًا كيميائيًا مروعًا باستخدام غاز السارين في مترو طوكيو، ما أسفر عن مقتل 13 شخصًا وإصابة الآلاف. وكان الهدف الحقيقي للجماعة في عام 1990 هو استخدام سلاح بيولوجي قاتل، إذ خططت لتسميم السائل الأصفر بسمّ "البوتولينوم"، أحد أشد السموم البيولوجية فتكًا في العالم. غير أن الهجوم فشل بسبب نقص المعرفة العلمية لدى أعضاء الجماعة، الذين لم يتمكنوا من التفريق بين البكتيريا المنتجة للسم والسم نفسه، وهو خطأ فادح أثر على فعالية الهجوم.

ماذا لو كانت هذه الجماعة قد امتلكت أدوات الذكاء الاصطناعي المتقدمة التي نستخدمها اليوم؟ من الممكن أن تكون قد طورت أسلحتها البيولوجية بطرق أسرع وأكثر دقة، ما يثير تساؤلات حول تأثير التكنولوجيا الحديثة على مثل هذه التهديدات.

وفي هذا السياق، أطلقت شركة OpenAI في سبتمبر سلسلة جديدة من نماذج الذكاء الاصطناعي تحت اسم "o1" التي تأتي بإصدارين "o1-preview" و "o1-mini". تتميز هذه النماذج بقدرات غير مسبوقة تعتمد على تقنية التعلم التعزيزي، التي تجعلها قادرة على حل مسائل معقدة والتفكير بطريقة أقرب إلى الإنسان. لكن تلك القدرات تحمل مخاطر كبيرة، منها إمكانية إساءة استخدام هذه التكنولوجيا لأغراض غير قانونية أو حتى لتطوير أسلحة بيولوجية.

تشير تقارير OpenAI إلى أن هذه النماذج قد تساعد في تطوير خطط لإعادة إنتاج عوامل بيولوجية ضارة، وهذا ما أثار قلقًا واسعًا في الأوساط العلمية والأمنية. فما كان مجرد خيال علمي في الماضي، أصبح اليوم تهديدًا حقيقيًا بفضل التقدم السريع في مجال الذكاء الاصطناعي.

أحد الخبراء البارزين في هذا المجال، يوشوا بينجيو، حذّر من المخاطر المتزايدة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي دون وجود قوانين صارمة. وأشار إلى مشروع قانون كاليفورنيا (SB 1047) الذي يسعى إلى تنظيم تطوير الذكاء الاصطناعي القوي، مؤكداً أن هذا النوع من التشريعات أصبح ضرورة لحماية المجتمع من التهديدات المحتملة.

دراسة حديثة من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) كشفت عن قدرة الذكاء الاصطناعي على تسهيل تطوير أسلحة بيولوجية، إذ نجح طلاب في تصميم فيروس قادر على إطلاق وباء عالمي في غضون ساعة واحدة فقط باستخدام نماذج الذكاء الاصطناعي. هذه الدراسة أكدت أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة قوية في أيدي أولئك الذين يسعون إلى الشر، ما يجعل من الضروري وضع تدابير وقائية لمواجهة هذه المخاطر.

لذا فإن تقاطع الذكاء الاصطناعي مع التكنولوجيا البيولوجية يمثل تحديًا كبيرًا للأمن العالمي، ويستوجب تعاونًا دوليًا لوضع ضوابط صارمة تحد من سوء استخدام هذه التقنيات المتطورة.

التعليقات

أحدث أقدم

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة.