آخر الأخبار

الابتكارات في الغرسات الدماغية وتأثيرها على مستقبل العلاجات الطبية


 شهدت صناعة الغرسات الدماغية نمواً ملحوظاً خلال العقد الماضي، حيث استثمرت شركات مثل "نيورالينك" و"بريسيجن نيوروساينس" و"سينكرون" مبالغ ضخمة لتطوير تقنيات حديثة تسمح بنقل المعلومات مباشرة من الأدمغة البشرية إلى أجهزة الكمبيوتر. ورغم التقدم الكبير الذي حققته هذه الشركات، إلا أن بعض الباحثين لا يزالون يعتمدون على تقنيات تقليدية ومحدودة، مما يضع تحديات في طريق تطور هذا المجال وفق ما أفادت به تقارير "بلومبرغ".

وفي هذا السياق، يسعى ماكس هوداك، أحد مؤسسي شركة "نيورالينك"، إلى تقليص الفجوة بين التقنيات الحديثة والتقنيات القديمة. فقد أسس شركة "ساينس كورب" التي تتخذ من ألاميدا بولاية كاليفورنيا مقراً لها، حيث طورت عدة منتجات جديدة تهدف إلى تقليل التكاليف والوقت اللازم لتطوير المعدات في المختبرات.

يأمل هوداك أن تسهم هذه الأدوات في تسريع الأبحاث المتعلقة بالدماغ، مما قد يؤدي إلى اكتشاف علاجات لمجموعة من الأمراض التي تسبب إعاقات. ويؤكد هوداك على طموحه في أن تصبح صناعة واجهات التفاعل بين الدماغ والحاسوب أكبر بمئة مرة مما هي عليه اليوم.

تعتمد استراتيجية هوداك على تقنية السبر الخاصة بشركته، التي تشمل مجموعة رقائق وأجهزة تحمل علامة "أكسون". هذه التقنية تتيح الاتصال بآلاف الخلايا العصبية وتسجيلها وتحفيزها بشكل متزامن. ويعمل نظام السبر مع حاسوب محمول يسمى "ساي فاي" الذي يقوم بجمع وتحليل البيانات، جنباً إلى جنب مع برنامج "نكسوس" الذي يستخدم لإجراء تجارب متزامنة عبر مجموعة من المسابر.

تستهدف هذه المعدات في البداية العلماء الذين يقومون بأبحاث أساسية، بالإضافة إلى الباحثين الذين يجرون دراسات على الحيوانات. تخطط شركة "ساينس" لاحقاً لإطلاق مجموعة واسعة من المنتجات تتناسب بشكل أكبر مع الشركات الناشئة التي تعمل في مجال الدراسات البشرية.

وقد بدأ هوداك رحلته في أبحاث الدماغ داخل غرفته في جامعة "ديوك"، حيث أنشأ جهازاً لتحفيز خلايا عصبية معينة لدى الفئران. في عام 2016، أسس "نيورالينك" التي تدعمها استثمارات إيلون ماسك، قبل أن ينتقل لأسس "ساينس" في عام 2021.

تركز "ساينس" في البداية على الغرسات البصرية التي تساعد المرضى على استعادة البصر، وتعتبر هذه التقنية محور نشاطها الرئيسي. ومع ذلك، رصد هوداك فرصة لاستخدام بعض المنتجات لتوسيع نطاق أعمال الشركة وإتاحتها لشركات أخرى.

تجدر الإشارة إلى أن العلماء بدأوا في غرس الأجهزة الإلكترونية في أدمغة الحيوانات والبشر منذ عقود، لكنهم غالباً ما يصنعون معداتهم من الصفر. الأجهزة المستخدمة حالياً تعتمد على تقنيات قديمة ولم تلحق بركب التطورات السريعة في مجالات الإلكترونيات والحوسبة. ومع ذلك، تمكنت بعض الشركات الناشئة من تجاوز هذه القيود من خلال الابتكار والاستثمار الكبير.

فقد طورت "نيورالينك" غرسة تسمح بالتواصل لاسلكياً وتستوعب داخل فتحة بحجم عملة معدنية في جمجمة المريض، وهو ما يمثل تقدماً كبيراً مقارنة بالأجهزة التقليدية. هذه الابتكارات ساعدت الأفراد ذوي الإعاقات على ممارسة أنشطة متعددة باستخدام أفكارهم فقط، مما يعكس إمكانيات هذه التكنولوجيا.

تسعى "ساينس" لتحسين أدواتها لتكون في متناول العلماء بشكل أكبر، حيث تقدم مسابر "أكسون" التي تشمل رقائق متخصصة تسهل على أجهزة الكمبيوتر فهم الإشارات العصبية وتحويلها إلى بيانات رقمية. نظام الحوسبة "ساي فاي" يقوم بجمع البيانات من عدة مسابر ومعالجتها وإرسالها إلى أجهزة الكمبيوتر عبر الواي فاي.

وتبدأ أسعار هذه المسابر من 500 دولار لكل مسبر، في حين يبلغ سعر وحدة "ساي فاي" حوالي ألف دولار. ويشير سومنر نورمان، الرئيس التنفيذي لشركة "فورست نيوروتك"، إلى أن التكلفة الإجمالية للمنتجين تعتبر منخفضة للغاية مقارنة بالمعدات التقليدية.

إلى جانب الأجهزة، تسعى "ساينس" لتقديم برنامج "نكسوس" وبروتوكول البيانات "سينابس" لتسهيل إعداد التطبيقات للباحثين بدلاً من كتابة برامجهم الخاصة. ويعتبر هوداك أن هذا البرنامج مصمم لتلبية احتياجات القطاع من حيث السرعة وقابلية التوسع.

تدير ماكنزي ماثيس مختبراً للأبحاث الدماغية في المعهد الاتحادي السويسري للتقنية، وقد أعربت عن تفاؤلها بشأن نتائج التجارب التي ستجريها باستخدام هذه التقنية الجديدة. وذكرت أن القدرة على تسجيل نشاط الدماغ أثناء حركة الحيوانات ستحدث ثورة في هذا المجال.

مع ذلك، حذر كل من نورمان وماثيس من أن هناك الكثير من العمل الذي يتعين على "ساينس" القيام به، بما في ذلك إقناع الباحثين بتبني منتجاتها. ويتوقع نورمان أن تركز هذه المنتجات بشكل أكبر على الباحثين الراغبين في جمع البيانات بسرعة، وليس بالضرورة الشركات الناشئة.

واعترف هوداك بأنه كان لديه تساؤلات في البداية حول جدوى تطوير هذه المنتجات تجارياً، لكنه اقتنع بأن البحوث المتعلقة بالدماغ تقترب من دخول حقبة جديدة، حيث يمكن لشركة "ساينس" أن تلعب دوراً في تقديم أجهزة تعالج حالات مثل الشلل والاكتئاب.

في النهاية، يؤكد هوداك على أهمية تطوير التكنولوجيا بشكل مستمر ويأمل أن يسهم في تحسين نوعية الحياة للعديد من المرضى في المستقبل.

التعليقات

أحدث أقدم

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة.