انتهت معركة الانتخابات الرئاسية الأميركية الـ60 بفوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، ورغم أن الوقت لا يزال مبكرًا للحديث عن نزاهة العملية الانتخابية، فإن التساؤلات حول وجود تدخلات داخلية أو خارجية ستظل حديث الساعة بين الصحفيين والمراقبين.
أما في مجال الصحافة والتكنولوجيا، فإن السؤال الأهم هو مدى تأثير الإعلام والتكنولوجيا في نتائج هذه الانتخابات، خاصة بعد أن أثبتا مرات عديدة أنه لا يمكن التنبؤ بتصرفاتهما. الإعلام دائمًا ما كان جزءًا أساسيًا في تشكيل الرأي العام وتوجيه اهتمامات الناخبين، وهو ما تعكسه نظرية ترتيب الأولويات التي تبرز كيف يمكن لوسائل الإعلام توجيه الرأي العام عبر إبراز بعض القضايا وتجاهل الأخرى، مما يدفع الجمهور للاعتقاد بأنها الأكثر أهمية.
ومن خلال أداة قياس مشاعر الإعلام التي طورها باحثون بالتعاون مع صحفيين في الجزيرة، يظهر أن الإعلام ركز بشكل ملحوظ على "شخصية" المرشحين بعد ترشح كامالا هاريس، حيث تضاعف عدد المقالات المنشورة عن الموضوع بشكل كبير. وهذا يسلط الضوء على قدرة الإعلام في تسليط الضوء على قضية معينة، وجعلها في مقدمة اهتمامات الجمهور.
ومع صعود وسائل التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة، أصبحت الحملات الانتخابية تعتمد بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الضخمة واستهداف الناخبين برسائل مخصصة. هذا التطور جعل من الممكن للحملات السياسية تحديد الفئات المستهدفة بشكل دقيق، مما يعزز قدرة الحملات على توجيه جهودها وتحقيق تأثير أكبر.
الذكاء الاصطناعي أصبح أداة حيوية في هذا السياق، حيث يمكنه تحليل مشاعر الناخبين واستهدافهم بمحتوى دقيق يناسب ميولهم، ما يغير قواعد اللعبة في السياسة الانتخابية. وبفضل تعلم الآلات والشبكات العصبية، أصبح من الممكن فهم المشاعر الإنسانية بشكل أكثر تعقيدًا، مما يتيح حملات انتخابية قادرة على التأثير في توجهات الجمهور بشكل أكبر.
لكن هذا التطور يحمل في طياته تحديات أخلاقية كبيرة. من أبرز هذه التحديات هو استغلال نقاط الضعف العاطفية للناخبين عبر رسائل قد تثير الخوف أو القلق، ما قد يغير توجهاتهم بشكل غير متوازن. كما أن جمع البيانات الشخصية واستخدامها دون علم الأفراد يثير تساؤلات كبيرة حول حقوق الخصوصية.
لا تقتصر التحديات على هذه النقاط، بل تتعداها إلى قضية انتشار المعلومات المضللة التي أصبحت أكثر تأثيرًا بفضل الذكاء الاصطناعي. هذا النوع من المعلومات يمكن أن يتسبب في تلاعب العقول عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما يهدد مبدأ الشفافية في العملية الديمقراطية. وقد رأينا مثالًا صارخًا على هذا التلاعب في حملة دونالد ترامب عام 2016، حيث استُخدمت بيانات ملايين المستخدمين من فيسبوك لبناء ملفات نفسية تُستخدم في استهداف الناخبين بطرق تضليلية.
هذه الفضائح أدت إلى تغييرات في السياسات العالمية حول الخصوصية ودفعت المشرعين إلى التفكير في قوانين تقيّد استغلال البيانات الشخصية في الحملات السياسية.
وفي ظل هذه التطورات، يظهر استطلاع رأي حديث أن 70% من الأميركيين يشعرون بالقلق حول سير الحملة الانتخابية لعام 2024، مما يعكس تراجع الثقة في النظام السياسي لدى الكثير من الناخبين. هؤلاء الناخبون لا يرون في الانتخابات انعكاسًا لآمالهم بقدر ما يرونها انعكاسًا للطموحات الشخصية التي يعززها الإعلام وتؤثر عليها التكنولوجيا بشكل متزايد.
ختامًا، يبدو أن الإعلام والتكنولوجيا لم يعدا مجرد أدوات للمساعدة في الانتخابات، بل أصبحا جزءًا أساسيًا في تغيير مسار الأحداث، مما يطرح تساؤلات حول المستقبل السياسي وكيفية تأثير هذه القوى في الانتخابات القادمة.
إرسال تعليق