أظهرت دراسة حديثة أن بعض نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة قد تعاني تراجعًا في قدراتها الإدراكية مع مرور الوقت، في ظاهرة تشبه الشيخوخة البشرية. وتشير النتائج إلى أن هذا التدهور قد يؤثر على دقة أداء هذه النماذج، خاصة في المجالات التي تتطلب تركيزًا عاليًا مثل التشخيصات الطبية وتحليل البيانات المتقدمة.
نُشرت الدراسة في مجلة BMJ في ديسمبر 2024، واعتمدت على اختبار مونتريال الإدراكي (MoCA)، وهو أداة تُستخدم عادة للكشف عن علامات الخرف والضعف الإدراكي لدى البشر. وجرى تعديل الاختبار ليكون مناسبًا لقياس كفاءة نماذج الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل الذاكرة والانتباه والوظائف التنفيذية.
خضعت مجموعة من النماذج اللغوية الرائدة للاختبار، من بينها GPT-4 و GPT-4o من OpenAI، وClaude 3.5 من Anthropic، وGemini 1.0 وGemini 1.5 من جوجل. وأظهرت النتائج أن الإصدارات الأقدم كانت أقل كفاءة من الإصدارات الحديثة، حيث سجلت درجات أقل، مما يعكس نمطًا مشابهًا لما يحدث عند الإنسان مع تقدم العمر.
حصل نموذج GPT-4o على 26 نقطة، وهو الحد الأدنى الذي يشير إلى سلامة الإدراك، في حين سجل كل من GPT-4 وClaude 3.5 نتيجة 25 نقطة. أما نموذج Gemini 1.0 فحقق أقل نتيجة، إذ لم يتجاوز 16 نقطة، ما يشير إلى مستوى أكبر من التراجع الإدراكي.
في أحد الاختبارات، طُلب من النماذج التعرف على الحرف "A" وسط سلسلة من الحروف المكتوبة، باستخدام علامة النجمة (*) أو طباعة كلمة (tap) بجانبه. ورغم أن بعض النماذج أدت المهمة بسلاسة، إلا أن أخرى احتاجت إلى إرشادات إضافية، مما يعكس تفاوتًا في مستويات الفهم والإدراك.
كما سجلت جميع النماذج أداءً ضعيفًا في المهام البصرية المكانية، مثل اختبار تتبع المسار الذي يتطلب ترتيب الأرقام والحروف تصاعديًا، واختبار رسم الساعة الذي يقيس القدرة على تحديد الوقت بصريًا. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت نماذج Gemini عجزًا عن اجتياز اختبار التذكر المؤجل، الذي يتطلب استرجاع قائمة مكونة من خمس كلمات بعد فترة زمنية.
وأشار الباحثون إلى أن هذه النتائج قد تؤثر على تصورات الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في المجالات الطبية، حيث يمكن للقيود الإدراكية أن تؤثر في دقة التشخيصات الطبية وتقلل من ثقة المستخدمين في هذه الأنظمة. ومع ذلك، أوضحت الدراسة أن هذه النتائج لا تعني أن الذكاء الاصطناعي يمر بعملية شيخوخة فعلية، إذ لا يمكن للبرامج الحاسوبية أن تصاب بأمراض تنكسية مثل البشر.
رغم هذه التحديات، يتوقع الباحثون أن يستمر تحسين أداء النماذج اللغوية في المستقبل، مع تطوير خوارزميات تعزز قدرتها على معالجة البيانات وتحليل المعلومات بدقة أعلى. ومع ذلك، تبقى الفجوة بين الإدراك البشري والآلي قائمة، وهو ما قد يستدعي إعادة النظر في مدى إمكانية الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في المجالات الحساسة.
إرسال تعليق