في تطور غير متوقع، أرسلت شركة مورجان آند مورجان، المعروفة بتخصصها في قضايا الإصابات الشخصية، رسالة بريد إلكتروني عاجلة إلى أكثر من 1000 محامٍ، محذرة من المخاطر المحتملة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في ممارساتهم القانونية.
تشير الرسالة إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يقوم بتوليد معلومات قانونية مزيفة، مما قد يؤدي إلى تقديم قضايا وهمية في الملفات القضائية، وهو ما قد ينتج عنه عواقب وخيمة تصل إلى فصل المحامين من العمل. جاء هذا التحذير بعد أن قام قاضٍ فيدرالي في ولاية وايومنج بتهديد اثنين من محامي الشركة بعقوبات بسبب استخدامهما معلومات قانونية مضللة في دعوى قضائية ضد وول مارت.
وأقر أحد المحامين في الوثائق المقدمة بأنه استخدم برنامجًا للذكاء الاصطناعي معروفًا باسم "هلوس" والذي أسفر عن إدخال معلومات غير دقيقة، وقد اعتذر عن ذلك معتبراً أنه خطأ غير مقصود.
تعتبر هذه المشكلة، الناجمة عن استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال المحاماة، بمثابة صداع لكل من المحامين والقضاة، حيث تثير تساؤلات عديدة حول موثوقية المعلومات التي يتم إنتاجها وقدرة المحامين على التحكم في هذه التقنية الحديثة.
يشهد المجال القانوني تحولات كبيرة بفضل التقدم في تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، والتي تسهم في تحسين الكفاءة من خلال تقليل الوقت اللازم للبحث وصياغة الوثائق القانونية. وبحسب استطلاع رأي أجري من قبل وكالة تومسون رويترز، استخدم 63% من المحامين الذكاء الاصطناعي في أعمالهم، حيث أكد 12% منهم أنهم يعتمدون عليه بشكل منتظم.
ومع ذلك، لم تقتصر مشكلات هلوسة الذكاء الاصطناعي على شركة مورجان آند مورجان، فقد تم تسجيل حالات مشابهة في محاكم أمريكية أخرى. ففي يونيو 2023، تعرض محاميان في مانهاتن لغرامة قدرها 5000 دولار بسبب استشهادات غير صحيحة استندت إلى معلومات مزيفة من الذكاء الاصطناعي في قضية إصابة شخصية.
وفي نوفمبر، أقر قاضٍ في تكساس بفرض غرامة على محامٍ لاستخدامه معلومات غير موجودة في دعوى قضائية تتعلق بإنهاء الخدمة بشكل غير قانوني. بينما شهدت ولاية مينيسوتا حالة مماثلة عندما أشار قاضٍ إلى تدمير مصداقية خبير بعد اعترافه باستخدام استشهادات وهمية في قضية تتعلق بتزييف عميق لنائبة الرئيس كامالا هاريس.
تعود أسباب هلوسة الذكاء الاصطناعي إلى أن النماذج اللغوية الكبيرة التي تعتمد عليها هذه التقنية تقوم بإنتاج استجابات استنادًا إلى أنماط إحصائية من مجموعات بيانات ضخمة، دون التحقق من الحقائق. لذا، قد تؤدي هذه العملية إلى إنتاج معلومات خاطئة أو ملفقة.
تؤكد قواعد أخلاقيات المحاماة على أهمية دقة وموثوقية الملفات القضائية، حيث يُعد التحقق من المعلومات ودعمها بالأدلة واجباً أساسياً، وفي حال عدم الالتزام بذلك، يخاطر المحامون بعقوبات تأديبية.
في ضوء هذه التطورات، أصدرت نقابة المحامين الأمريكية تحذيرًا لأعضائها، مشددة على ضرورة أن يمتد التزام المحامين بدقة المعلومات إلى أي بيان قد يتضمن معلومات غير صحيحة عن غير قصد.
كما أعرب أندرو بيرلمان، عميد كلية الحقوق في جامعة سوفولك، عن أهمية الالتزام بالمسؤوليات المهنية في عصر الذكاء الاصطناعي، مشددًا على أن عدم التحقق من صحة المعلومات المنتجة بواسطة أدوات الذكاء الاصطناعي يعد دليلًا على عدم الكفاءة المهنية.
يوصي الخبراء بضرورة أن يكون المحامون مدركين لنقاط القوة والضعف في أدوات الذكاء الاصطناعي، وأن يدركوا المخاطر المرتبطة بهلوسة الذكاء الاصطناعي.
يقول هاري سورين، أستاذ القانون في كلية الحقوق بجامعة كولورادو، إن التكنولوجيا ليست المشكلة بحد ذاتها، بل يتوجب على المحامين أن يتعلموا كيفية استخدامها بشكل صحيح.
في النهاية، يوفر الذكاء الاصطناعي فرصًا كبيرة لتحسين كفاءة العمل القانوني، ولكن يتطلب الأمر وعيًا كاملًا بالمخاطر المحتملة والتزامًا بضمان دقة المعلومات المستخدمة في الملفات القضائية.
إرسال تعليق