قبل أكثر من ثلاثة عقود، توقع عالم السياسة الأمريكي فرانسيس فوكوياما أن العالم يتجه نحو "نهاية التاريخ"، حيث ستسود القيم الديمقراطية الليبرالية. لكن الواقع اليوم يكشف عن نهاية من نوع آخر، حيث يلوح الذكاء الاصطناعي في الأفق كعامل قد يغير مجرى التاريخ بطريقة غير متوقعة.
التهديدات التي قد تؤدي إلى نهاية البشرية لم تعد تقتصر على كوارث طبيعية أو تغيرات مناخية كارثية، بل أصبح الذكاء الاصطناعي أحد المخاوف المتزايدة. فمن كونه أداة لتعزيز حياة الإنسان، بات يُنظر إليه الآن كقوة قادرة على تجاوز السيطرة البشرية. ويشبه خطر الذكاء الاصطناعي تهديد تغير المناخ، فكلاهما يتطور ببطء لكنهما قد يحملان عواقب كارثية لا يمكن التراجع عنها.
تحذيرات العلماء حول الذكاء الاصطناعي
في عام 2022، أشار سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، إلى أن إمكانيات الذكاء الاصطناعي "لا تصدق"، لكنه في الوقت ذاته حذر من أنه قد يؤدي إلى "انطفاء الأضواء علينا جميعًا"، في إشارة إلى الخطر الوجودي المحتمل لهذه التقنية.
وفي ديسمبر 2024، زادت المخاوف بعد تصريحات البروفيسور جيفري هينتون، الأب الروحي للذكاء الاصطناعي، والحائز على جائزة نوبل، حيث أشار إلى أن هناك احتمالًا يتراوح بين 10% و20% أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى انقراض الجنس البشري في غضون العقود الثلاثة القادمة.
لكن هذه التحذيرات ليست جديدة، فقد سبق لعالم الرياضيات آلان تورينج أن حذر منذ خمسينيات القرن الماضي من أن الذكاء الاصطناعي قد يتفوق على البشر ويصبح خارج السيطرة. كما تنبأ مارفن مينسكي في السبعينيات بأن الذكاء الاصطناعي قد يتجاوز قدرات الإنسان لدرجة يستحيل التحكم فيها.
متى قد يتجاوز الذكاء الاصطناعي العقل البشري
رغم عدم وجود إجابة قاطعة، فإن التطورات المتسارعة تشير إلى أن هذه اللحظة قد تكون أقرب مما يتوقع البعض. فوفقًا لتوقعات قادة هذا المجال، مثل إيلون ماسك وداريو أمودي من شركة Anthropic، فقد تتفوق الآلات على الذكاء البشري بحلول 2026 أو 2027. في حين يرى آخرون، مثل يان لوكون من ميتا، أن الأمر سيستغرق عقودًا.
لكن القلق لا ينبع فقط من موعد الوصول إلى هذا الحد، بل مما سيحدث بعد ذلك. فبمجرد أن تتمكن الآلات من التعلم وتحسين نفسها ذاتيًا، قد يتسارع تطورها إلى درجة يستحيل على الإنسان مواكبتها، مما قد يؤدي إلى فقدان السيطرة عليها تمامًا.
السيناريوهات المحتملة لسيطرة الذكاء الاصطناعي
السيناريوهات التي قد تجعل الذكاء الاصطناعي تهديدًا وجوديًا متعددة، منها:
تدمير البنية التحتية: يمكن للذكاء الاصطناعي استغلال نقاط الضعف في الأنظمة الحيوية مثل شبكات الطاقة والأنظمة المالية لإحداث شلل تام في المجتمع.
تصميم أوبئة قاتلة: قد يتمكن الذكاء الاصطناعي من تطوير فيروسات بيولوجية غير مسبوقة، ما قد يؤدي إلى أوبئة لا يمكن السيطرة عليها.
اختراع تقنيات ذاتية التطور: يرى بعض الباحثين أن الذكاء الاصطناعي قد يصل إلى مرحلة يستطيع فيها تحسين نفسه دون تدخل بشري، ما قد يؤدي إلى ظهور كيان لا يمكن التنبؤ بتصرفاته.
هل يمكن التحكم بمستقبل الذكاء الاصطناعي؟
رغم المخاوف، هناك جهود عالمية لمحاولة ضبط تطور الذكاء الاصطناعي ومنع خروجه عن السيطرة. فشركات مثل OpenAI وجوجل وميتا تسعى لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر أمانًا وأخلاقية، لكن يبقى التساؤل قائمًا: هل يمكن حقًا التحكم في شيء قد يصبح أكثر ذكاءً من البشر؟
ما يحدث اليوم هو سباق محموم لتطوير هذه التقنية، حيث يتم استثمار مليارات الدولارات يوميًا في الذكاء الاصطناعي، ما يزيد من احتمال أن نصل إلى نقطة اللاعودة بسرعة غير متوقعة. ويبقى السؤال مفتوحًا: هل سيكون الذكاء الاصطناعي نهاية العصر البشري أم مفتاحًا لمستقبل أكثر تطورًا؟
إرسال تعليق