تشهد الشركات العالمية تحوّلًا جذريًا نحو تبني الذكاء الاصطناعي بشكل أعمق، وهو ما أكده جنسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا، خلال كلمته في مؤتمر الشركة الأخير. هوانغ رسم ملامح مستقبل يتوقع أن تصبح فيه كل شركة "مصنعًا للذكاء الاصطناعي"، حيث تنتج ما يُعرف بـ "الرموز" التي تشكّل جوهر عمل أنظمة الذكاء الاصطناعي الحديثة.
أوضح هوانغ أن هذه الرموز الرقمية تمثّل وحدات أساسية لمعالجة البيانات، حيث تُستخدم لتفكيك وتحليل الكلمات والمعلومات وتمكين الذكاء الاصطناعي من فهمها بعمق. فعلى سبيل المثال، يتم تقسيم الكلمات إلى رموز عددية تسهّل على الأنظمة التعرف على الأنماط اللغوية وتحليلها، مما يسمح بتوليد نصوص جديدة، مقاطع صوتية، صور، وحتى مواد علمية متقدمة مثل البروتينات والأبحاث الكيميائية.
وأشار إلى أن الشركات مستقبلاً لن تقتصر على إنتاج منتجاتها التقليدية، بل ستدير أيضًا مصانع متخصصة في إنتاج هذه الرموز الرقمية، مما يجعل الذكاء الاصطناعي جزءًا أساسيًا في عملياتها اليومية. ولإثبات هذه الرؤية، أعلنت إنفيديا عن تعاون مع جنرال موتورز لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي متقدمة تدعم عمليات تصنيع السيارات وتعزز تقنيات القيادة الذاتية.
وفي هذا السياق، يرى جيسون ليو، المهندس المتخصص في تعلم الآلة، أن شركة تسلا تطبق هذا النموذج بالفعل من خلال جمع بيانات ضخمة عبر مستشعرات سياراتها، وتحويلها إلى رموز تُستخدم في تحسين أنظمة القيادة الذاتية. وأكد أن الشركات التي تعتمد على جمع البيانات من العالم الحقيقي ستكون أكثر تفوقًا على تلك التي تكتفي بالتطوير في المختبرات المغلقة.
من جانبه، قدم جييرمو راوش، الرئيس التنفيذي لشركة فيرسيل، نموذجًا عمليًا لهذه الفكرة، حيث أشار إلى أن أداة "v0" التي طوّرتها شركته تعمل على تحويل متطلبات المستخدمين إلى تطبيقات جاهزة، وهو ما يعكس مفهوم "إنتاج الرموز". كما أشار إلى شركة OpenEvidence، التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في تحليل الأبحاث الطبية وتحويلها إلى معلومات مفيدة للأطباء، واصفًا هذه المعلومات بأنها "رموز الذكاء الطبي".
في ظل هذا التوجه الجديد، يرى الخبراء أن مستقبل الشركات سيتحوّل إلى صناعة الذكاء ذاته، حيث ستعمل على تحويل معرفتها المؤسسية إلى بيانات ورموز تُستخدم لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي، مما يسمح لها بتقديم خدمات أكثر ذكاءً، واتخاذ قرارات استراتيجية بناءً على تحليل البيانات، وتعزيز قدرتها التنافسية في سوق سريع التطور.
إرسال تعليق