آخر الأخبار

السياسة والتقنية علاقة متشابكة تؤثر في صناعة الذكاء الاصطناعي


 في محاضرة ملهمة ضمن فعاليات قمة الويب 2025، تناول طارق كريم مؤسس شركة "ديسيدنت إيه آي" العلاقة التبادلية بين السياسة والتقنية، مشيرًا إلى التأثير الكبير الذي تمتلكه السياسة على القطاع التكنولوجي، كما ألقى الضوء على الأثر العكسي الذي تتركه الساحة التقنية على السياسة العالمية وعلاقتها بالدول. 

شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في سطوة السياسة على الصناعة التقنية، حيث أصبحت القوى السياسية قادرة على التأثير بشكل كبير في مسار التطور التكنولوجي، ما دفع الشركات إلى مراجعة الأبعاد السياسية لأي منتج جديد قبل طرحه في الأسواق. لم يعد القطاع التكنولوجي مجرد مجال للإبداع التقني، بل أصبح يشهد تدخلًا قويًا من السياسات الوطنية والدولية.

واستعرض كريم في محاضرته مثالًا واضحًا على هذا التأثير من خلال العقوبات المفروضة على الشركات التقنية الصينية مثل "هواوي". إذ كانت هذه الشركة في طريقها لتجاوز "سامسونغ" في مبيعات الهواتف الذكية، لكن تدخل الحكومة الأمريكية أجبرها على مواجهة تحديات كبيرة أدت إلى تقليص وصولها إلى التقنيات الحديثة. 

تطرق كريم إلى أزمات العصر الرقمي، مشيرًا إلى أزمة "سقوط .كوم" أو ما يعرف بانهيار الشركات التي كانت تستثمر بشكل كبير في الإنترنت، وهو التحول الذي بدأ في منتصف التسعينات ومر بثلاث مراحل أساسية. في المرحلة الأولى توسعت شركات الاتصالات، ثم انتقل التركيز إلى شركات البرمجيات التي خدمت شريحة محدودة من المستخدمين، قبل أن يظهر في النهاية ما يُسمى "تقسيم الإنترنت" وتوفير خدماته للمستخدمين بشكل أكبر. 

وفي إشارة إلى الاقتصاد الرقمي، قال كريم إن الانفتاح على الاقتصاد العالمي جعل من الممكن للشركات تقديم خدماتها لكافة سكان العالم، ليظهر نوع جديد من الشركات التي تعمل على تأجير خدماتها ومعداتها لشركات أخرى، مثل شركات الحوسبة السحابية. كما أشار إلى تطور صناعة الذكاء الاصطناعي التي أصبحت اليوم تستبدل الحوسبة السحابية، حيث يمكن للشركات تأجير خدمات الذكاء الاصطناعي بدلاً من بناء نماذجها الخاصة.

لكنَّ طارق كريم أبرز جانبًا آخر في صناعة الذكاء الاصطناعي، وهو تأثير السياسة على هذه الصناعة. فقد أكد أنه عندما تسعى الشركات لبناء نماذج ذكاء اصطناعي، فإنها تتعامل مع عوامل متعددة مثل شرائح الحوسبة، تقنيات الخوادم، مصادر البيانات، وحتى المعطيات السياسية التي تؤثر بشكل كبير في هذا المجال. 

واستعرض كريم مثالاً بارزًا وهو رحلة صناعة الشرائح الإلكترونية، التي تشمل توريد المكونات وصناعة الأشباه الموصلات، وهي عملية تتم في دول متعددة. وبالتالي، إذا تغيرت العلاقات السياسية بين هذه الدول، قد تتوقف هذه العملية بالكامل، ما يضع الشركات في مأزق.

أوضح كريم أيضًا منهجية "ديب سيك" التي استطاعت شركة صينية من خلالها تقديم نموذج ذكاء اصطناعي قوي بكلفة أقل، بالاعتماد على الموارد المحلية قدر الإمكان. وأشار إلى أن أي دولة تمتلك الموارد اللازمة يمكنها اتباع هذه المنهجية لبناء نموذج ذكاء اصطناعي محلي. كما يمكن لأي شركة اتباع نفس الأسلوب لبناء نماذج ذكاء اصطناعي مستقلة، مع التحكم الكامل في كافة التفاصيل بدءًا من الخوادم إلى عملية التدريب.

في الختام، يبدو أن العلاقة بين السياسة والتقنية أصبحت أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى، حيث تتداخل العوامل السياسية مع الابتكارات التكنولوجية بشكل متزايد، مما يجعل من الضروري على الشركات التكيف مع هذه المتغيرات للحفاظ على تنافسيتها في السوق العالمية.

التعليقات

أحدث أقدم

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة.