يشهد القطاع الطبي تحولًا غير مسبوق بفضل الذكاء الاصطناعي، حيث أصبحت تقنية التوأم الرقمي من أبرز الابتكارات التي تعيد تعريف الأبحاث والعلاجات الطبية. توفر هذه التقنية نماذج افتراضية دقيقة للأعضاء البشرية، مما يتيح للباحثين اختبار الأجهزة الطبية والعلاجات الجديدة في بيئة آمنة وفعالة، مما يقلل من مخاطر التجارب السريرية التقليدية وتكاليفها الباهظة.
نقلة نوعية في اختبار الأجهزة الطبية
شركة أدسيليكو الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي تطور توائم رقمية تحاكي جسم الإنسان بدقة، وتركز بشكل خاص على نماذج رقمية للقلب. هذه النماذج تتيح اختبار الأجهزة القابلة للزرع، مثل الصمامات والدعامات، دون الحاجة إلى التجارب المباشرة على المرضى.
لكن الشركة لم تتوقف عند إنشاء نموذج واحد فقط، بل استعانت بالذكاء الاصطناعي لتوليد قلوب رقمية متنوعة تحاكي عوامل مثل العمر والجنس والحالة الصحية والخلفيات العرقية. هذا التنوع يمنح مصنعي الأجهزة الطبية فرصة اختبار منتجاتهم على مجموعات واسعة من المرضى، مما يزيد من دقة النتائج ويضمن أن الأجهزة تناسب مختلف الحالات الطبية.
تحسين دقة التجارب الطبية
تتيح التوائم الرقمية إمكانية إجراء تجارب طبية مستحيلة على البشر، حيث يمكن محاكاة ظروف صحية مختلفة مثل ارتفاع ضغط الدم أو مشكلات القلب المزمنة، ما يساعد في التنبؤ بأداء الأجهزة الطبية قبل تجربتها على المرضى الحقيقيين.
وتؤكد شينا ماكفيرسون، الرئيسة التنفيذية لشركة أدسيليكو، أن هذه التقنية تتيح تمثيلًا أكثر شمولية لتشريح المرضى واستجاباتهم الفسيولوجية، مما يضمن تطوير أجهزة طبية أكثر أمانًا. وتوضح أن اختبار الأجهزة في بيئات افتراضية تحاكي الجسم البشري بدقة يقلل بشكل كبير من المخاطر المحتملة.
حل لمشكلة الوفيات الناتجة عن الأجهزة الطبية
وفقًا لتحقيق أجراه الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، تسببت الأجهزة الطبية في وفاة 83 ألف شخص وإصابة 1.7 مليون آخرين خلال عام 2018 فقط. وهنا تأتي أهمية التوائم الرقمية، حيث يمكنها تقليل هذه الأرقام المقلقة عبر إجراء اختبارات أكثر دقة قبل السماح باستخدام الأجهزة على البشر.
وترى ماكفيرسون أن استخدام هذه النماذج الرقمية قد يحد بشكل كبير من الدعاوى القضائية المرتبطة بالوفيات والإصابات الناتجة عن الأجهزة الطبية، مؤكدة أن اختبارات المحاكاة توفر نتائج أكثر تفصيلًا وموثوقية مقارنة بالتجارب التقليدية.
التوأم الرقمي في صناعة الأدوية
لم تتوقف ثورة التوائم الرقمية عند الأجهزة الطبية فحسب، بل دخلت أيضًا في مجال تطوير الأدوية. شركة سانوفي العملاقة للأدوية تبنت هذه التقنية لمحاكاة المرضى رقميًا، مما يساعد في تسريع التجارب وتقليل تكاليفها بنسبة تصل إلى 20%.
وأشار مات تروبو، المسؤول في سانوفي، إلى أن معدل فشل الأدوية الجديدة يبلغ 90% في المراحل السريرية، ما يكلف الشركات مليارات الدولارات. لكن التوائم الرقمية قد تساعد في تحسين معدل النجاح، حيث يمكنها اختبار الأدوية في بيئات افتراضية تحاكي الظروف الواقعية بدقة.
التحديات والآفاق المستقبلية
رغم المزايا العديدة لهذه التقنية، يحذر بعض الخبراء من أن جودة البيانات المستخدمة في تدريب هذه النماذج تلعب دورًا حاسمًا في دقتها. ويخشى البعض من أن البيانات القديمة أو غير المتنوعة قد تؤدي إلى تحيزات تؤثر في النتائج النهائية.
لكن شركات مثل سانوفي وأدسيليكو تعمل جاهدة على التغلب على هذه التحديات، عبر استخدام بيانات متنوعة وحديثة لتحسين دقة التوائم الرقمية، مما يفتح الباب أمام مستقبل أكثر أمانًا وكفاءة في مجال الطب.
إرسال تعليق